شهدت العاصمة طرابلس، يوم السبت، وقفة احتجاجية أمام مبنى كانت تشغله السفارة المصرية، تحولت إلى مادة دسمة للتجاذبات السياسية والإعلامية. ففيما كان دافع المحتجين الأساسي هو التضامن مع قطاع غزة والمطالبة بفتح معبر رفح بشكل دائم لإنهاء مأساة التجويع، سارعت بعض المنصات الإعلامية، ومنها صحيفة “الشرق الأوسط”، إلى تبني رواية تخدم أجندات سياسية محددة، مستندة إلى مصادر تفتقر إلى الحيادية، ومتجاهلةً جوهر الحراك الشعبي.
الدافع الحقيقي: غزة وليست السياسة الداخلية
خلافاً لمحاولات تصوير الاحتجاج كعملية مدبرة من فصائل سياسية بعينها، تؤكد الشعارات التي رفعها المحتجون والبيان الذي تلاه أحدهم أن المحرك الرئيسي كان الغضب الشعبي العارم تجاه الأوضاع الكارثية في غزة. جاء في بيان المتظاهرين: “نحن شباب ليبيا نتظاهر من أمام السفارة المصرية بطرابلس… للمطالبة بفتح معبر رفح”.
هذا المطلب لم يأتِ من فراغ، بل هو صدى لصرخات ملايين الفلسطينيين المحاصرين الذين يواجهون مجاعة حقيقية، ويعتبرون معبر رفح، الخاضع للسيطرة المصرية، شريان الحياة الوحيد الذي يمكن أن ينقذهم. إن توجيه الاحتجاج نحو السفارة المصرية كان رسالة مباشرة ومفهومة إلى الطرف الذي يملك مفتاح المعبر، والذي يُنظر إليه شعبياً كخط الدفاع الأخير عن غزة.
تفكيك المصادر: الاعتماد على رواية منحازة
المغالطة الكبرى في تقرير “الشرق الأوسط” تكمن في اعتماده شبه الكلي على رواية “تلفزيون المسار”. وهنا تبرز عدة نقاط جوهرية تُسقط مصداقية هذا الاستناد:
* من المعروف في المشهد الليبي أن “تلفزيون المسار” هو منصة إعلامية موالية لخليفة حفتر وهي طرف سياسي مناوئ لحكومة الوحدة الوطنية، وحليف مباشر للسيسي. بالتالي، فإن رواية القناة التي تتهم “مجموعات تابعة لدار الإفتاء” و”تيارات الإسلام السياسي” بالوقوف وراء الاحتجاج، ليست تحليلا إخباريا بقدر ما هي أداة لتصفية الحسابات السياسية. هدفها هو وصم أي حراك شعبي في طرابلس لا يخدم أجندتها، وربطه بخصومها السياسيين.
* نقل “المسار” لخبر “انسحاب الشرطة الدبلوماسية بتعليمات من وزارة الداخلية” دون أي تأكيد رسمي من أي جهة مسؤولة في طرابلس، هو ترويج لشائعة هدفها إظهار حكومة الدبيبة بمظهر المتواطئ أو العاجز. وهو ما تبنته “الشرق الأوسط” دون تدقيق، مما يطرح تساؤلات حول مهنية التقرير ودقته. الحقيقة على الأرض هي أن المحتجين كانوا من عامة الناس وشباباً غاضباً، وليسوا كتائب منظمة تابعة لأي جهة.
صمت حكومة طرابلس: حذر دبلوماسي أم تواطؤ؟